كفارة المسيح

يتحدَّث الكتاب المقدس عن موت المسيح باعتباره كفارة، وهذه الكفارة تحمل ثلاثة معاني:

1- فدية:

يصف العهد الجديد موت المسيح باعتباره فدية من أجل شعبه في عدة مواضع منها ما قاله المسيح في مرقس 10: 45: “لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ”. وما قاله بطرس: “عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ” (1 بطرس 1: 18-19). وما قاله بولس: “أَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ، لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ” (1 كورنثوس 6: 19-20؛ قارن رؤيا 5: 9).

نجد من هذه النصوص والكثير غيرها أن إحدى طرق فهم موت المسيح هو أن نراه كدفع فدية أو ثمن. وقد نسأل: لمن دُفعت هذه الفدية؟ يظن البعض بأنها دُفعت للشيطان، بينما ينادي الأخرون بأنها دُفعت لله — بمعنى أن المسيح دفع الكفارة للآب.

من الخطأ تمامًا أن نظن بأن المسيح دفع الفدية للشيطان لكي يفدي شعبه. فهذا يتناقض بشدة مع سيادة الله حيث يبدو الأمر وكأنه كان عليه أن يلبّي مطالب عدوه اللدود. كما أن ذلك يتناقض مع قداسته حيث يبدو وكأن الشيطان يُملي شروط الخلاص. بالإضافة إلى ذلك، يصف المسيح كيف يطلق سراح الناس من عبوديَّة الشيطان بقوله أنّه يربط القوي وينهب بيته (مرقس 3: 27). بعبارة أخرى، لا يتفاوض الله مع الشيطان وكأنه ينقذ الرهائن التي قد احتجزها الإرهابيُّون. وإنما يغزو، ويربط، ويحرِّر.

لذلك فالرأي الصحيح هو أن الله أرسل ابنه للموت من أجل خطايانا بدفع الفدية لنفسه. فنحن لسنا مدينيين بأي شيء للشيطان، كما أن الله أيضًا ليس مدينًا بأي شيء للشيطان. إن الدين العظيم الذي نحمله على أكتافنا هو دينٌ لله. فهو الذي قد أساءنا إليه بخطيتنا. هو الذي طُعن في مجده وقد تدنَّس اسمه بعدم ثقتنا فيه وعصياننا له.

فليس إذن من الصعب أن نرى أنه إن كنَّا سنُعتق من غضب الله العادل فيجب أن يُقدَّم نوع من التعويض. لذلك، فالطريقة الأولى التي من خلالها يخلِّص موت المسيح الخطاة هي بافتدائهم من غضب الله.

2- بدليَّة:

الطريقة الثانية التي يصف الكتاب المقدس من خلالها كيف يخلِّص موت المسيح الخطاة هي بأن موته كان بديلاً عنَّا.

بسبب الطريقة التي أذنبنا بها ضد الله وأهننا مجده، يخيِّم على كلِّ واحد منَّا الآن لعنةٌ، أي دينونة بارة وعادلة. وما عمله المسيح هو أنه أخذ تلك اللعنة وتلك الدينونة على نفسه وأصبح بديلاً لكلِّ من يثق فيه. يقول بطرس: “فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ” (1 بطرس 3: 18). كما يقول بولس: “لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ” (2 كورنثوس 5: 21). وأيضًا يعلن بولس: “اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا” (غلاطية 3: 13).

فالمسيح يخلِّصنا من خطايانا بكونه بديلاً لنا. فهو قد حمل اللعنة التي كان يجب علينا أن نحملها وحمل الخطية التي كانت ستجلب علينا دينونة الله الأبديَّة. أخذ المسيح مكاننا ووضع الله عليه إثم كل من يؤمن به (إشعياء 53: 6).

إن فكرة البدليَّة فكرة أصيلة في العهد القديم، وقد استخدمها العهد الجديد كأحد الجوانب لوصف عمل المسيح الكفاري. فالكفارة تعني أن موت المسيح يرفع غضب الله لأنها ترفع الخطية. هذا هو معنى الكفارة. يرفع المسيح حَمَل الله الخطية ويمحو غضب الله (يوحنا 1: 29).

3- تبرئة:

أخيرًا كفارة المسيح هي تبرئة لبر الله. ربما يكون هذا المعنى الأكثر إهمالاً وقد نتجاهله، ومع ذلك فهو أكثر المعاني الأساسيَّة لموت المسيح.

قال بولس عن المسيح: “الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ. لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ” (رومية 3: 25-26). ما لم نبدأ بمجد الله، لن يكون لهذا الجانب لموت المسيح أي معنى.

لا بد أن نتذكَّر بعض الأساسيَّات كي نفهم هذه الكلمات التي ذكرها بولس من رومية 3. خلق الله العالم لمجده (إشعياء 43: 7). وبر الله هو التزامه الثابت أن يدعم مجده، بمعنى أنه يدعم كلَّ شيء يعظِّم من مجده، ويقاوم كلَّ شيء يقلِّل من مجده. وبما أننا قد احتقرنا ودنَّسنا مجد الله، فبرَّه يُلزمه أن يقاومنا بالغضب الشديد.

كيف إذن يمكنه أن يخلِّص خطاة مثلنا ويظل يدعم مجده؟ أي كيف يبرِّئ الله الخطاة ويظل قاضيًا بارًا وعادلاً؟

يجاوب بولس على هذا السؤال في رومية 3: 25-26. فهدف موت المسيح هو إظهار بر الله. ولكن لماذا كانت هناك الحاجة لإظهار بر الله؟ يجيب بولس قائلاً: “مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ” (الآية 25).

بعبارة أخرى، عندما يصفح الله عن الخطايا — عندما يغفر لي ولك — يبدو وكأنه ليس عادلاً أو بارًا. يبدو وكأنه لا يضع أيَّة قيمة مطلقة لمجده الذي احتقرناه بخطيتنا. وفي الحقيقة، إن أزال الله ببساطة خطية العالم سيكون ذلك عدم بر، وستبدو تبرئة إثم الخاطئ في محضر الله وكأنها ليست بشيء رهيب.

بموت المسيح أظهر الله بشكل قاطع أنه ليس غير مبالي باحتقارنا لمجده. فهو تعامل بحزم وجديَّة مع ازدرائنا لمجده. مات المسيح كي يعالج الجرم الذي اقترفناه ضد اسم الله وكرامته. فما عمله المسيح عندما مات على الصليب كان بهدف تبرئة بر وعدل الله في خلاص الخطاة. إن لم يكن المسيح قد مات بدلاً عنَّا لكان بر الله يُبرَّأ فقط بطريقة واحدة ألا وهي بدينونتنا الأبديَّة.

فهناك إذن ثلاثة طرق من خلالها يخلِّصنا موت المسيح الكفاري من دينونة الله ويقدِّم لنا الحياة الأبديَّة. أولاً، إن موت المسيح هو فدية تدفع الدين الكبير الذي نحن مدينون به لله بسبب خطايانا. ثانيًا، مات المسيح عوضًا وبديلاً عنَّا حيث حمل خطيتنا ولعنتنا في نفسه لكي نخلص نحن من الخطية وأجرتها. ثالثًا، إن موت المسيح هو تبرئة لبر الله، لِيَكُونَ الله بَارًّا وَيُبَرِّر كل مَن يؤمن بيسوع المسيح.

د. ق. شريف جندي

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s