هذا هو المبدأ الأخير من مبادئ الإصلاح الخمسة. فقد تحدثنا عن أن الخلاص هو بالنعمة وحدها، بواسطة الإيمان وحده، في المسيح وحده، بحسب الكتاب المقدس وحده، وأخيرًا هذا كله هو لمجد الله وحده.
فقد أصرّ المصلحون، في مقابل تعاليم الكنيسة الكاثوليكيّة، على أن الخلاص هو بنعمة الله وحدها. أي لا يقدّم اللهُ الخلاصَ للإنسان بناءً على أي استحقاق بشري. فلا استحقاق للملائكة، ولا للقديسين، ولا لمريم العذراء، كما تنادي الكنائس التقليديّة. ولا يمكن لأي مخلوق، أيًّا كان، أن يمنحَ أي استحقاق له لأي إنسان آخر ليكون الأساس لنوال الخلاص والرحمة من الله.
كذلك الواسطة أو الوسيلة التي بها ينال الإنسان خلاصَ الله، الذي أساسه النعمة وحدها، هو الإيمان وحده. وهنا أكّد المصلحون البروتستانت على أن الأعمال الصالحة لا يمكن أبدًا أن تكون وسيلة للحصول على الخلاص. كذلك لا يحتاج الإنسان لإضافة أعماله الصالحة (والتي هي في نظر الله أعمالًا فاسدة تنبع من قلب شرير) أو بره الذاتي (الذي هو ليس بر حقيقي في نظر الله) لإيمانه الشخصي لكي ينالَ الخلاص. فالفرائض الكنسيّة لا تعطي الخلاص للإنسان، وكذلك أعمال الرحمة والطقوس الدينيّة، كل تلك الأمور تعتبرها الكنائس التقليديّة ضروريّة وإلزاميّة للخلاص، ولكن رفضها المصلحون كأساس للخلاص استنادًا على تعاليم كلمة الله.
هذا الخلاص الذي هو بناءً على نعمة الله وحدها، وبواسطة الإيمان وحده، هو في المسيح وحده. فالمسيح هو من مات على الصليب وقام من أجل خلاص شعبه، وهو من يشفع في السماء كالوسيط الوحيد بين الله والناس (1 تيموثاوس 2: 5)، وهو من سيأتي ثانية لدين الأحياء والأموات ويتمم عمل الخلاص. وبهذا، وفي مقابل تعاليم الكنائس التقليديّة التي تنادي بوساطة رجال الدين من أجل حصول الإنسان على خلاص الله، أعلن المصلحون بأنه لا وساطة لأي إنسان إلا للمسيح وحده للحصول على الخلاص.
إن الخلاص المبني على نعمة الله وحدها، والذي يحصل عليه الإنسان بواسطة الإيمان وحده، في المسيح وحده، هو بحسب الكتاب المقدس وحده. فلا يساوي أي سلطان آخر سواء للباباوات أو المجامع الكنسيّة أو إقرارات الإيمان سلطان الكتاب المقدس، على عكس ما تنادي به الكنائس التقليديّة. فالكتاب المقدس وحده هو من له السلطان المطلق على شعب الله فيما يختص بأمور الإيمان والأعمال. وأي تقليد كنسي أو إقرارت للإيمان يجب أن تخضع بالكامل لسطان كلمة الله المعصومة من الخطأ.
ينصب هذا كله في المبدأ الأخير للإصلاح وهو أن الكل هو لمجد الله وحده. فلا فخر للإنسان في أي شيء في الخلاص. فالافتخار الوحيد للإنسان يجب أن يكون في صليب المسيح (غلاطية 6: 14). إن الخلاص من بدايته لنهايته هو عمل إلهي بالتمام. ولا مساهمة من الإنسان فيه إلا بخطيته التي يحتاج أن يخلص من غضب ودينونة الله الناتج عنها. ولهذا يعود المجد كله لله وحده. فمجد الله هو الدافع من وراء الخلاص، وهو هدف الخلاص. لذلك يقول الرسول بولس أنه من الله، وبه، وله كل الأشياء، ولذلك فله وحده كل المجد إلى الأبد (رومية 11: 36).
كانت أحد القضايا المثارة وقت الإصلاح هي قضية تمجيد قادة الكنيسة من الإكليروس بشكل غير لائق بكونهم بشر. فقد كان هؤلاء القادة من كهنة وأساقفة ورؤساء أساقفة وباباوات ينسبون المجد لأنفسهم ويحتقرون العلمانيين من عامة الشعب. في مقابل هذه التعاليم المزيّفة نادى المصلحون بأن الله يدعو الجميع لخدمته بأشكال وطرق مختلفة. كما أكّدوا على أن هدف كل الحياة بالنسبة للإنسان هو أن يعطي المجد لله وحده. هذا ما أقرّه بولس حين قال: “فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ” (1 كرونثوس 10: 31). فالغاية العظمى للإنسان هي أن يمجد الله (قارن أفسس 3: 21؛ 1 بطرس 4: 11؛ رؤيا 1: 6؛ 7: 12).
لولا حركة الإصلاح وانتفاضة المصلحين ضد فساد قادة الكنيسة في القرن السادس عشر لظل الإنسان أسير تعاليم الكنيسة التقليديّة التي استعبدت الإنسان في سجن تقاليد البشر واستبدلت مجد الله بمجد الإنسان. لكن شكرًا لله على رحمته التي أعادت للإنسان جوهر تعاليم كلمته المقدسة بقيادة روحه القدوس للمصلحين لكي يؤكّدوا لنا من جديد على الحق الإلهي المُعلن بشأن خلاص الإنسان. حقًا إن الخلاص هو بالنعمة وحدها، بواسطة الإيمان وحده، في المسيح وحده، بحسب الكتاب المقدس وحده، ولمجد الله وحده.
د. ق. شريف جندي