قيامة المسيح انتصارٌ على الموت


عندما سقط آدم وحواء في الخطيَّة، وسقط معهم كل نسلهم من الجنس البشري، ساد الموت وأصبح حتميًّا على الجميع كنتيجة طبيعيَّة لدخول الخطيَّة إلى العالم، وقضاءً عادلًا من الله على عصيانهم (رومية 5: 12). فأجرة الخطيّة هي الموت (رومية 6: 23). وبمجيء الموت أصبح هو العدو القاسي للإنسان ويهابه الجميع. وبهذا أصبح الإنسان طيلة حياته في صراع مع الموت، يحاول بشتَّى الطرق أن يجد له مهربًا، ولكنه دائمًا يفشل
.

ولما جاء المسيح متجسِّدًا في جسم بشريتنا كي يحمل عنَّا عقوبة ولعنة الخطيَّة كان لزامًا عليه أن يجتاز أيضًا في الموت الذي هو عدو الإنسان. مات المسيح لكي يتحمَّل جزاء الخطيَّة نيابةً عن شعبه. ولكن الموت لم يكن له القوة الكاملة التي تستطيع أن تُبقي المسيح في القبر. لذلك قام من الأموات في اليوم الثالث. وكما تنبَّأت الأسفار المقدَّسة في العهد القديم عن موت المسيح، كذلك أعلنت أيضًا قيامته. كتب يوحنا عن التلاميذ أنهم بعد قيامة المسيح مباشرةً لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب: أنه ينبغي أن المسيح يقوم من الأموات (يوحنا 20: 9). وعلى الرغم من أن يوحنا لم يوضِّح ما هي النصوص الكتابيَّة في العهد القديم التي لم يدرك التلاميذ أنها تشير إلى قيامة المسيح، إلا أنه هناك العديد من النصوص التي يمكن أن تكون المقصودة هنا (مثال: مزمور 16: 10؛ إشعياء 53: 10-12؛ هوشع 6: 2؛ يونان 1: 17).

يصف بطرس الرسول معجزة قيامة المسيح بأن الله أقامه من الأموات، واضعًا نهاية لأوجاع الموت التي كانت على المسيح، حيث أنه كان مستحيلًا على الموت أن يُبقي المسيح في قبضته أو أن يظل المسيح في داخل القبر أكثر من ثلاثة أيام (أعمال الرسل 2: 24). نعم لقد أقامه الآب من الأموات لأنه رب الحياة (أعمال الرسل 4: 10؛ 5: 30؛ 10: 40؛ 13: 30، 33-34؛ 17: 31؛ أفسس 1: 20). فليس للموت سلطان عليه البتة.

أما الرسول بولس فيعلن أنه بقيامة المسيح من الأموات تعيَّن المسيح ابن الله بقوة (رومية 1: 4). يظن البعض خطئًا أن المقصود هنا أنه بقيامة المسيح قد تعيَّن ابنًا لله، مما يعني أن بنوَّة المسيح للآب ليست أزليَّة. لكن هذا ليس المقصود من تركيب الآيَّة في الأصل اليوناني. بل المقصود هو أن المسيح تعيَّن ابن الله بقوة. أي أن القيامة أعلنت قوة المسيح وأظهرتها للجميع. فالمسيح وُلد بضعفٍ في جسدٍ بشري، حيث صار من نسل داود حسب الجسد (رومية 1: 3)، لكن الآب أقامه من الأموات كي يظهر أمام الجميع بقوة. لهذا قال المسيح لتلاميذه بعد قيامته: “دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ” (متى 28: 18).

يذكر كاتب الرسالة إلى العبرانيين أن المسيح أشترك في اللحم والدم، أي اتَّخذ طبيعة بشريَّة في تجسُّده، لكي يبيد إبليس، الذي له سلطان الموت، بالموت (عبرانيين 2: 14). فالمسيح انتصر على إبليس مُستخدمًا سلاحه الذي يهدِّد به البشريَّة، أي الموت. كيف تحقَّقت هذه النصرة على إبليس بالموت؟ كان ذلك بقيامة المسيح.

كيف للمؤمنين بالمسيح أن يفكروا في الموت إذن؟ يُعلن الرسول بولس هذه الحقيقة الهامة قائلاً: “وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ” (رومية 8: 11). هذا هو الرجاء المبارك لكل مَن يؤمن بالمسيح. ليس للموتِ سلطانٌ على أولاد الله. فكما أقام روحُ الله المسيحَ من الأموات، هذا الروح نفسه الساكن فينا سيُحي أجسادنا عند مجيء المسيح.

لم يعد الموت عدوًّا لأبناء الله. يُرعب الموت فقط مَن هم في عداوة مع الله بسبب الخطيَّة. لكن بالنسبة للمؤمنين ليس للموتِ أيُّ سلطان عليهم. إن كنتَ تهاب الموت فهذا يدل على عدم ثقتك الكاملة في شخص المسيح وعمله. لكن إن كنتَ تهتف مع بولس قائلاً: “لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ” (فيلبي 1: 21)، فأنت إذن مِمَّن قد نال بركة الخلاص بعمل المسيح على الصليب ونصرة قيامته. ليكن شعارنا في هذه الأيام “يَتَعَظَّمُ الْمَسِيحُ فِي جَسَدِي، سَوَاءٌ كَانَ بِحَيَاةٍ أَمْ بِمَوْتٍ” (فيلبي 1: 20). آمين.

د. ق. شريف جندي

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s