لقد تناولنا أول مبدأ من مبادئ الإصلاح وهو“الكتاب المقدس وحده“ حيث ناقشنا ضرورة وسلطان وكفاية ووضوح الكتاب المقدس باعتباره الإعلان الخاص الوحيد من الله للإنسان عن الخلاص الذي تممه المسيح في شخصه وعمله. ثم تناولنا المبدأ الثاني للإصلاح وهو “النعمة وحدها“ حيث رأينا أن هذا الخلاص المقدم في المسيح يناله الإنسان بفضل نعمة الله وحدها وليس بناءً على أي استحقاق أو استنادا على أي عمل يقوم به الإنسان. فالإنسان في فساده الشامل لا يستطيع أن يربح الخلاص بمجهوده الشخصي وإنما يحتاج لعمل نعمة الله لكي تخلق فيه الإرادة الحسنة لكي يقبل عمل المسيح. فبدون نعمة الله يظل الإنسان ميتا في الذنوب والخطايا وعاجزا عن حياة البر التي يطلبها الله.
نأتي الأن إلى المبدأ الثالث للإصلاح وهو “الإيمان وحده”. فإن كان خلاص المسيح معلن في الكتاب المقدس وحده، ويناله الإنسان على أساس نعمة الله وحدها، فالوسيلة التي من خلالها يستقبل الإنسان هذا الخلاص هي الإيمان وحده. أي أن الإيمان والذي هو عطية من الله هو الوسيلة الوحيدة للحصول على الخلاص في المسيح. في أفسس 2: 8 يقول الرسول بولس “لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ.” وهنا نرى أن الخلاص هو على أساس النعمة ويحصل عليه الإنسان بالإيمان. وهذا الخلاص استنادا على النعمة وبواسطة الإيمان هو في اساسه ليس من الإنسان ولكنه عطية الله.
فالإنسان يتبرر أمام الله بالإيمان الذي يمنحه الله كعطية صالحة منه للإنسان. الإنسان الشرير يستقبل غفران الله لخطاياه فقط من خلال الإيمان وبصرف النظر عن جهوده أو أعماله. فبسبب سقوط الإنسان في الخطية أصبح مستحقا لعدل الله الكامل وواقع تحت لعنة الله، وغير قادر على تخليص نفسه من غضب ودينونة الله. ولكن بنعمته يمنح الله العفو القضائي للخطاة على أساس حياة وموت وقيامة ابنه يسوع المسيح. لذا فالإيمان الذي هو عطية من الله هو الوسيلة التي من خلالها ينال الإنسان كل فوائد عمل المسيح الكفاري بما فيه بر المسيح بطاعته الإيجابية (أي حياته كاملة الطاعة) وطاعته السلبية (أي بموته النيابي والاستبدالي على الصليب). فالنعمة الإلهية يحتسب الله بر المسيح للخاطئ حين يضع ثقته في المسيح بالإيمان الذي هو ثمر عمل الروح القدس في الخاطئ. بحيث لا يستند حكم الله بالعفو والتبرير إلى شيء في الخاطئ، ولا إلى الإيمان ذاته، بل إلى يسوع المسيح وبره فقط، الذي يتم تلقيه بالإيمان وحده. فحتى إيمان الإنسان هو ليس ناتجا عن قدرته الشخصية أو قراره الذاتي وإنما هو عطية الله له. فالإنسان بعد السقوط من الخطية يُولد وهو عاجزا عن الإيمان والثقة في الله بل يأتي للعالم وهو في عداوة مع الله ويكره الله ويحاول أن يهرب منه. يطلق الرسول بولس على الخطاة تعبير “الفجار” (رومية 5: 6)، و”الأعداء” لله (رومية 5: 10؛ 11: 28؛ كولوسي 1: 21)، و”أبناء الغضب” (أفسس 2: 3).
ففي حين أن الكنائس التقليدية من الأرثوذكسية والكاثوليكية تعلّم بأن الإنسان يتبرر بواسطة الإيمان والأعمال التي يقوم بها الإنسان، والتي ينتجها البر الذي يغرسه الله بالإيمان في الإنسان. نادى المصلحين بما يعلّمه الكتاب المقدس بأننا نتبرر بالإيمان وحده حيث به يقبل الإنسان البر الغريب عنه، أي بر المسيح، والذي يحتسبه الله مجانا لكل من يؤمن. فالبار بالإيمان يحيا (غلاطية 3: 11). لهذا فالإيمان، أي قبول المسيح بالاتكال الكامل على بره، هو وحده الوسيلة لنوال التبرير. وهذا الإيمان ليس ميتا وإنما هو إيمانا عاملا بالمحبة (غلاطية 5: 11). فبالإيمان نثق في وعود إنجيل المسيح ونقبل عمله كما يقدمه لنا الآب معلنا ذلك لنا في كلمته المقدسة.
فهل تؤمن بشخص وعمل المسيح؟ وهل تدرك أنك بحاجة لخلاصه العجيب لكي يغفر خطاياك ويمنحك الحياة الجديدة التي بها تحيا لتمجده هو وحده؟
د. ق. شريف جندي