يوجد جدل كبير بين المؤمنين حول ما إذا كانت معمودية الأطفال هي أمر كتابي في إطار العهد الجديد أم أن المعمودية هي فقط للكبار بعد الاعتراف بإيمانهم بالمسيح علناً. والبحث في هذه القضية يتطلب مساحة كبيرة من الكتابة، لذا سوف أركز على 9 عوامل أساسية تستدعي اهتمامنا ونحن نفكر في هذه القضية.
1- بعد سقوط الإنسان في الخطية وكسر أدم لعهد الأعمال الذي صنعه الله معه في تكوين 1 – 2 أقام الله عهد النعمة في تكوين 3. وقد دعانا الله إلى عهد النعمة، وبالرغم من أنه لن يثابر كل أعضاء هذا العهد حتى النهاية (ذلك لأن ليس الجميع مختارين للحياة الأبدية ولم يتم تجديدهم)، إلا أنهم يتمتعون بمزايا وامتيازات تخص جماعة العهد. كان هذا الأمر صحيحاً بالنسبة لإسرائيل في العهد القديم، والعهد الجديد يطبّق هذا على كنيسة العهد الجديد أيضا (تثنية 4: 20، 28: 9، إشعياء 10: 22، هوشع 2: 23، رومية 9: 24 – 28، غلاطية 6: 16، عبرانيين 4: 1 – 11، 6: 4 – 12، 1 بطرس 2: 9 – 10).
2- على الرغم من أن تنشئة الفرد في حماية أمانة الله العهدية لا تضمن أن يمتلك هذا الشخص الحق، أي الإيمان المثابر (عبرانيين 4: 1 – 11)، إلا أن ذلك لا يعني عدم أهمية إعطاء أبناء المؤمنين ختم العهد، أي المعمودية.
3- كنيسة العهد القديم وكنيسة العهد الجديد هم في الجوهر نفس الكنيسة. مثل اليرقة والفراشة، مختلفين جداً في الشكل، لكنهم من نفس الجوهر.
فكلاهما له نفس طريق الخلاص. رومية 4: 13 “فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الإِيمَانِ.”
كلاهما يتطلع إلى نفس المخلص. رومية 3: 20 – 26 “وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُودًا لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ، …، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ. لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ.” في زمن العهد القديم، خَلُص الناس بالثقة في العمل الكفاري الذي سيتممه الله في المسيح. اليوم يخلص الناس بالثقة في العمل الكفاري الذي تممه الله في المسيح.
كلاهما تحت نفس العلاقة العهدية. غلاطية 3: 7 – 29 “اعْلَمُوا إِذًا أَنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الإِيمَانِ أُولئِكَ هُمْ بَنُو إِبْرَاهِيمَ. وَالْكِتَابُ إِذْ سَبَقَ فَرَأَى أَنَّ اللهَ بِالإِيمَانِ يُبَرِّرُ الأُمَمَ، سَبَقَ فَبَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ «فِيكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ الأُمَمِ». إِذًا الَّذِينَ هُمْ مِنَ الإِيمَانِ يَتَبَارَكُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ الْمُؤْمِنِ… اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ». لِتَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ لِلأُمَمِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِنَنَالَ بِالإِيمَانِ مَوْعِدَ الرُّوحِ… فَإِنْ كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذًا نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ الْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ.”
كلاهما أعضاء لنفس الجسد. أفسس 2: 11 – 19 “لِذلِكَ اذْكُرُوا أَنَّكُمْ أَنْتُمُ الأُمَمُ قَبْلاً فِي الْجَسَدِ، الْمَدْعُوِّينَ غُرْلَةً مِنَ الْمَدْعُوِّ خِتَانًا مَصْنُوعًا بِالْيَدِ فِي الْجَسَدِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ بِدُونِ مَسِيحٍ، أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ، وَبِلاَ إِلهٍ فِي الْعَالَمِ. وَلكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ… فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ.”
كلاهما “أغصان” في نفس شجرة الزيتون. رومية 11: 17 – 26. يعلن الرسول بولس أن إسرائيل ككل لم يُحرم أو يُقطع من خطة الله، ولكن اليهود الغير المؤمنين قد قُطعوا من شجرة الزيتون الخاصة بهم، وأغصان الأمم قد طُعّموا في مكانهم، ويتنبأ عن وقت سيجدد فيه الله العديد من اليهود ويُطعمهم مرة أخرى في نفس الشجرة مع الأمم المؤمنين.
لأن كنيسة العهد القديم وكنيسة العهد الجديد هم في الجوهر نفس الكنيسة، لذلك في بعض الأحيان يتبادلون الأسماء. فمن ناحية، يدعو الكتاب المقدس إسرائيل العهد القديم “الكنيسة”. “الكنيسة” [إكليسيا] هي الكلمة اليونانية في العهد الجديد للكلمة العبرية في العهد القديم “الجماعة” [قاهال] (قارن مزمور 22: 22 مع عبرانيين 2: 12). لذلك دعا استفانوس جماعة إسرائيل عند جبل سيناء “الكنيسة في البرية” في أعمال الرسل 7: 38.
من ناحية أخرى، يدعو الكتاب المقدس كنيسة العهد الجديد “إسرائيل” في غلاطية 6: 16. يستخدم الرسول بطرس مصطلحات غنية لإسرائيل العهد القديم للإشارة لكنيسة العهد الجديد. 1 بطرس 2: 9 “وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ.” يصف الرسول بولس جميع الذين يتكلون على المسيح وحده باسم “الختان الحقيقي” في فيلبي 3: 3. يدعو يعقوب الكنيسة المحلية “مجمع” في يعقوب 2: 2. و”شيوخ” كنيسة العهد الجديد متطابقين في الاسم والوظيفة مع الذين من مجمع العهد القديم.
لذلك فإن كنيسة العهد القديم وكنيسة العهد الجديد هم في الجوهر نفس الكنيسة.
4- يضم الله أبناء المؤمنين كأعضاء في هذه الكنيسة.
يتساءل البعض أحيانا لماذا نعتبر أطفال المؤمنين أعضاءً في الكنيسة. والسبب هو أن الله الحي نفسه قبل أطفال المؤمنين كأعضاء في كنيسته. تكوين 17: 7 “وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ.”
فالله لم يلغي مبدأ أن أطفال المؤمنين هم أعضاء في الكنيسة في أي مكان. هذا أمر مهم جدا. فالبعض يبني رأيه على افتراض غير موجود في العهد الجديد بأن أطفال المؤمنين ليسوا أعضاء في الكنيسة. فعندما نقرأ العهد الجديد نجد عكس ذلك تماما! حيث يتفق العهد الجديد مع العهد القديم في استمرار جعل أطفال المؤمنين ضمن الكنيسة.
أقر ربنا يسوع المسيح أن أطفال المؤمنين هم جزء من كنيسته. لوقا 18: 15 – 16 “فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ الأَطْفَالَ أَيْضًا لِيَلْمِسَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمُ التَّلاَمِيذُ انْتَهَرُوهُمْ. أَمَّا يَسُوعُ فَدَعَاهُمْ وَقَالَ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ.”
وأقر الرسول بطرس أيضا أن أطفال المؤمنين هم ضمن الكنيسة. أعمال الرسل 2: 39 “لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ…” انعكاسا لتكوين 17: 7! كان بطرس يتحدث إلى اليهود المنغمسين في العهد القديم. إن كان بطرس قد قصد أن يُعلّم أن الله قد ألغى مبدأ عضوية أطفال العهد في الكنيسة، فهو قد اختار لغة غير صحيحة تماما!
وقد يعترض البعض أن بطرس لم يكن يتحدث عن الوعد لإبراهيم. بل كان يتحدث عن وعد الروح القدس (أعمال الرسل 2: 38). لننظر لغلاطية 3: 14 “لِتَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ لِلأُمَمِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِنَنَالَ بِالإِيمَانِ مَوْعِدَ الرُّوحِ.” فالوعد لإبراهيم ينطوي على موعد الروح. وهكذا يقول بطرس أن الوعد لإبراهيم هو لكم ولأولادكم الآن في زمن العهد الجديد!
وبالمثل يقر الرسول بولس أن أطفال المؤمنين هم ضمن الكنيسة. فلو كان يحاول أن يُعلّم أن الله لم يعد يقبل أطفال العهد في الكنيسة، فهو إذن قد استخدم عبارة خاطئة تماما في أعمال الرسل 16: 31 “آمِنْ [مفرد] بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ [مفرد] أَنْتَ [مفرد] وَأَهْلُ بَيْتِكَ.”
في 1 كورنثوس 7: 14، يقر بولس أن الله يشمل الأطفال في جماعة العهد الخاصة به، أي الكنيسة. “لأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي الرَّجُلِ. وَإِلاَّ فَأَوْلاَدُكُمْ نَجِسُونَ، وَأَمَّا الآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ.” كلمة “مقدس” هي كلمة عهدية، حيث تعني “تكريس أو تخصيص”. فأطفال حتى مؤمن واحد أو مؤمنة واحدة هم “مقدسون”، أي مخصصون ومكرسون بطريقة خاصة الى الله.
في أفسس 1: 1 يعلن بولس أنه يكتب رسالته “إِلَى الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ فِي أَفَسُسَ”. كلمة “قديسين” تأتي من كلمة “مقدس”. “القديسين” تعني حرفيا “المقدسين”. وفي أفسس 6: 1 يخاطب بولس بعض من هؤلاء “المقدسين” مباشرة حيث كانوا جزءً من الكنيسة في أفسس “أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ لأَنَّ هذَا حَقٌّ.”
ففي حين أن أبناء غير المؤمنين غير مقدسين، أبناء المؤمنين مكرسين لله. هذا التمييز ليس فقط في العهد القديم (لاحظ الفصح، خروج 12: 42 – 51؛ أيضا التمييز بين “بيت الأشرار” و”بيت الصديقين” خصوصا في المزامير) ولكنه مستمر في العهد الجديد، حيث أن أبناء المؤمن مقدسين (1 كورنثوس 7: 14، 10: 2). كيف تميزوا إذن عن غير المؤمنين؟ بعلامة وختم العهد.
لهذا نرى أن أطفال المؤمنين هم جزء من الكنيسة. قد ضمّهم الله نفسه كأعضاء في العهد القديم، ولم يغير الله مبدأ “أنت ونسلك” أبداً. بالأحرى، يؤكد العهد الجديد على ذلك ويستمر فيه.
5– في زمن العهد القديم نال أطفال المؤمنين علامة الختان لأنهم كانوا أعضاءً في الكنيسة. فكما أشتمل عهد النعمة في العهد القديم على الأطفال من خلال فريضة الختان، كذلك أيضا العهد الجديد. فلم يتغير الله في مقاصده الصالحة تجاه أطفالنا (تكوين 17: 10 – 12، إشعياء 54: 13، أعمال الرسل 2: 39).
6- في زمن العهد الجديد اتخذ الله علامة الختان واستبدلها بالمعمودية.
أولاً، وضع ربنا يسوع المسيح المعمودية في مكان الختان كفريضة للانضمام للكنيسة المنظورة.
ففي العهد القديم، كلما تحول شخص ما لليهودية، كان عليه أن ينال الختان كفريضة الانضمام إلى الكنيسة. ولكن عندما أعطى المسيح المأمورية العظمى، موصيا تلاميذه أن يذهبوا إلى العالم أجمع ويتلمذوا جميع الأمم، قال لكنيسته أن تعمد المجددين بدلا من ختانهم. وبالتالي، وضع المسيح المعمودية في مكان الختان (متى 28: 19).
ثانياً، تعلم كلمة الله أن الختان والمعمودية يشتركان في نفس المعنى الروحي الأساسي. يظن البعض أن الختان كان علامة وطنية، بينما في المقابل المعمودية هي علامة روحية. لكن ماذا تقول كلمة الله؟
تثنية 30: 6 “وَيَخْتِنُ الرَّبُّ إِلهُكَ قَلْبَكَ وَقَلْبَ نَسْلِكَ، لِكَيْ تُحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ لِتَحْيَا.” وبعبارة أخرى، يرمز الختان للتجديد، أي الولادة الجديدة!
يخبرنا إرميا 4: 4 أن الختان كان أيضا علامة على التجديد، أي التوبة والإيمان. “اِخْتَتِنُوا لِلرَّبِّ وَانْزِعُوا غُرَلَ قُلُوبِكُمْ يَا رِجَالَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ، لِئَلاَّ يَخْرُجَ كَنَارٍ غَيْظِي، فَيُحْرِقَ وَلَيْسَ مَنْ يُطْفِئُ، بِسَبَبِ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ.”
في رومية 2 :28 – 29 نقرأ “لأَنَّ الْيَهُودِيَّ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ هُوَ يَهُودِيًّا، وَلاَ الْخِتَانُ الَّذِي فِي الظَّاهِرِ فِي اللَّحْمِ خِتَانًا، بَلِ الْيَهُودِيُّ فِي الْخَفَاءِ هُوَ الْيَهُودِيُّ، وَخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لاَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْخِتَانُ، الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللهِ.” مرة أخرى نرى أن الختان كان علامة على التجديد، أي الولادة الجديدة. لكن الختان لم يُخلص تلقائيا. بل في العهد القديم كان مطلوبا الإيمان الشخصي بخلاص الله، تماما كما هو الحال في العهد الجديد.
يتحدث بولس عن إبراهيم في رومية 4: 11 قائلا “وَأَخَذَ عَلاَمَةَ الْخِتَانِ خَتْمًا لِبِرِّ الإِيمَانِ الَّذِي كَانَ فِي الْغُرْلَةِ، لِيَكُونَ أَبًا لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي الْغُرْلَةِ، كَيْ يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضًا الْبِرُّ.” هنا نرى أن الختان هو علامة وختم للخلاص، أي التبرير بالإيمان وحده.
لذلك كتب بولس في فيلبي 3: 3 “لأَنَّنَا نَحْنُ الْخِتَانَ، الَّذِينَ نَعْبُدُ اللهَ بِالرُّوحِ، وَنَفْتَخِرُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى الْجَسَدِ.” فمن يتكلون على المسيح كمخلص، لهم في الواقع ما كان يرمز له الختان، بحيث أنهم هم فقط يعتبرهم الله قد نالوا الختان الحقيقي الآن حيث بدأ زمن العهد الجديد.
وهكذا رأينا أولاً أن ربنا يسوع المسيح وضع المعمودية في مكان الختان كفريضة الانضمام إلى الكنيسة. وثانياً، يعلمنا الكتاب المقدس أن الختان والمعمودية يشتركان في نفس المعنى الروحي الأساسي.
ثالثاً، العهد الجديد يوازي صراحة بين الختان والمعمودية، لدرجة أنه يستخدمهم بالتبادل! على سبيل المثال، يربط كولوسي 2: 11 – 12 بقوة الختان بالمعمودية لدرجة أنه يطابقهم “وَبِهِ [المسيح] أَيْضًا خُتِنْتُمْ خِتَانًا غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ، بِخِتَانِ الْمَسِيحِ. مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ.” وبعبارة أخرى، معموديتك هي ختانك المسيحي. فالعهد الجديد يربط بلا انفصال بين الختان والمعمودية. فما جمعه الله لا يجب على أي إنسان أن يفرقه.
لهذا نخلص أن المعمودية للعهد الجديد هي ما كانه الختان للعهد القديم. ولهذا فاعتراض البعض على معمودية الأطفال ينطبق أيضاً ضد ختان الأطفال. في حين أمر الله بختان الأطفال!
7– لأن كنيسة العهد القديم وكنيسة العهد الجديد هم في الجوهر نفس الكنيسة؛
ولأن الله يضم أبناء المؤمنين كأعضاء في هذه الكنيسة؛
ولأن في زمن العهد القديم نال أطفال المؤمنين علامة الختان لأنهم كانوا أعضاءً في الكنيسة؛
ولأن في زمن العهد الجديد اتخذ الله علامة الختان واستبدلها بالمعمودية؛
لذلك، في زمن العهد الجديد أطفال المؤمنين، لأنهم أعضاء في الكنيسة، يجب أن ينالوا علامة المعمودية.
وقد يعترض البعض قائلاً إن المسيح قد أبطل هذا في مرقس 16: 16 “مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ.” فالاعتراض هو أنه بما أن الأطفال لا يستطيعون أن يؤمنوا لذلك لم يجب أن يعتمدوا.
أولاً، هذا الاعتراض يجب أن ينطبق أيضا على ختان الأطفال. في الواقع أمر الله إبراهيم أن يؤمن ثم يُختتن. فالإيمان الشخصي كان ضرورة للخلاص في العهد القديم كما هو الحال في العهد الجديد. كان على الكبار المتحولين إلى اليهودية أن يؤمنوا أولا ثم ينالوا الختان. ومع ذلك أمر الله بختان الأطفال!
ثانياً، يمكنك أن ترى أن هذا الاعتراض مخطئ لأنه يفترض ما هو غير حقيقي. فحجة الاعتراض الأساسية هي أنه بسبب عدم قدرة الأطفال على الإيمان فلا يجب أن ينالوا المعمودية. ومع ذلك، إذا قمنا بتطبيق هذا المنطق نفسه على بقية الآية، سنضطر إلى استنتاج أنه بسبب عدم قدرة الأطفال على الإيمان فلا يمكن أن يخلصوا أيضا. فهذا الاعتراض لا يمنع فقط المعمودية عن الأطفال لكنه يمنعهم أيضا من السماء.
ثالثاً، تستطيع أن ترى المغالطة في هذا الاعتراض إذا قمت بتطبيق هذا المنطق نفسه على آيات آخرى. مثلا 2 تسالونيكي 3: 10 “فَإِنَّنَا أَيْضًا حِينَ كُنَّا عِنْدَكُمْ، أَوْصَيْنَاكُمْ بِهذَا: «أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضًا».” إذا كان هذا المنطق صحيح، لذا لابد من القول إنه بما أن الأطفال لا يستطيعون العمل، بالتالي لا يجب أن يأكلوا! لذلك تطبيق 2 تسالونيكي 3: 10 على الأطفال بهذه الطريقة هو خروج واضح للنص عن سياقه. وهذا بالضبط هو الحال في مرقس 16: 16! فمرقس 16: 16 هي وصية للكرازة للبالغين الغير معمدين. فالبالغ الغير معمد يجب أن يعترف بإيمانه قبل أن ينال المعمودية. كان هذا صحيحا في العهد القديم مع الختان، وهذا صحيح في العهد الجديد مع المعمودية.
قد يعترض البعض الآخر بأنه لا يوجد وصية في الكتاب المقدس مباشرة أو صريحة لتعميد أطفال المؤمنين. هذا صحيح حقا. ومع ذلك، كما رأينا، فإن المبدأ الإلهي “أنت ونسلك” واضح جدا في الكتاب المقدس. حيث يعلن هذا المبدأ بشكل ضمني أو غير مباشر معمودية أطفال المؤمنين. فإن لم يكن ينبغي معمودية أطفال المؤمنين، ما نحتاجه حقا هو وصايا كتابية بشأن عدم نوال الأطفال على علامة العهد. ولا يوجد وصايا بهذا الشكل! على النقيض، كما رأينا، يقر العهد الجديد بمبدأ “أنت ونسلك”. في ضوء هذا المبدأ، انظر لهذه الأمثلة للمعموديات في العهد الجديد:
أعمال الرسل 15: 16 “… فَلَمَّا اعْتَمَدَتْ هِيَ وَأَهْلُ بَيْتِهَا…”
أعمال الرسل 16: 33 “فَأَخَذَهُمَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَغَسَّلَهُمَا مِنَ الْجِرَاحَاتِ، وَاعْتَمَدَ فِي الْحَالِ هُوَ وَالَّذِينَ لَهُ أَجْمَعُونَ.”
1 كورنثوس 1: 16 “وَعَمَّدْتُ أَيْضًا بَيْتَ اسْتِفَانُوسَ…”
كيف فهم المسيحيين الأوائل والذين كان معظمهم من اليهود المنغمسين في أسفار العهد القديم هذه الآيات؟ لم تقل كلمة الله في أي مكان أن أهالي البيوت هذه لم تشمل على أطفال. في الواقع، العقلية اليهودية تفترض على الفور أنها شملت على أطفال! إن لم يكن قد أُعطيت علامة العهد لأطفال العهد، ألم يكن هذا قد سبب ارتباكا هائلا في الكنيسة الأولى؟ ألم يكن هناك حاجة للمؤمنين الأوائل لتعليمات على عكس ذلك، كما كان الأمر بشأن العديد من المشاكل الأخرى؟ لماذا، إذن، لا نجد أي تعليمات؟ هذا لا معنى له … ما لم يكن قد واصل الله فعلا في طريقة ربط المؤمنين بأطفالهم!
8– هناك سجل متواصل في تاريخ الكنيسة يدعم ممارسة معمودية الأطفال، بدءً من الأجيال الأولى. كان سيكون هناك بالتأكيد جدلا كبيرا إذا انصرف خلفاء الرسل عن الممارسة الرسولية لهذه النقطة الحيوية. ومع ذلك لا يوجد أي سجل من هذا القبيل. بالإضافة إلى ذلك، لم يعترض المصلحين الأوائل مثل مارتن لوثر وجون كلفن على ممارسة معمودية الأطفال حين أصلحوا تعاليم الكنيسة وممارستها في ضوء تعاليم كلمة الله وسلطانها. فقد اشتمل إصلاحهم على نواحي عديدة من الممارسات والفرائض الكنسية بما فيها فريضة العشاء الرباني. وأيضا قاموا بإصلاح مفهوم فريضة المعمودية وعلاقتها بالخلاص. ولكنهم أبقوا على معمودية الأطفال لأنها كانت في وجهة نظرهم كتابية. فلو لم تكن كتابية لما أبقى عليها لوثر واعتمدها كلفن وغيرهم من المصلحين.
9- إذا كانت المعمودية هي شهادة لإخلاص المؤمن للعهد، فإنه لن تكون قابلة للتطبيق لأولئك الذين ليس لديهم إخلاصا ليقدموه. ولكن المعمودية هي كلمة الله، ليست من البشر. إنها ليست في المقام الأول علامة على التزام المؤمن تجاه الله (على الرغم من أنها تنطوي بالتأكيد على ذلك) ولكنها التزام الله ليدعو لنفسه شعبا. لأن الخلاص هو بالنعمة وحدها، حيث يعمل الله في الخلاص قبل أي اختيار أو عمل بشري (رومية 9: 12 – 16). معمودية الأطفال هي شهادة إلهية لنعمة الله. وبالتالي، فإنها تُلزم أولئك الذين تعمدوا أن يظلوا أمناء للعهد ولكنها لا تجعل أمانتهم شرطاً أساسياً لانضمامهم للعهد.
الخلاصة:
في ضوء هذه الأدلة الكثيرة لمقارنة آيات بآيات في الكتاب المقدس نرى أن معمودية الأطفال كتابية حيث أعلن الله أنه يريد أن تتسع كنيسته عبر المكان من خلال تجديد الأمم وعبر الزمان عن طريق أطفال العهد حيث ينمو جيلا بعد الأخر واثقاً وخادماً للرب.
يتعامل الله مع الأفراد، وكذلك مع الأسر. وهذا لا يعني أن التجديد يحدث تلقائياً. والمعمودية ليست سحرا. فالمعمودية لا تضمن الخلاص كما كان الحال في الختان. الخلاص هو بالنعمة وحدها بالإيمان وحده في المسيح وحده.
وهذا يضع مسؤولية كبيرة على عاتق الأباء والأمهات المؤمنين. فلا يجب أن نعامل أطفالنا بشكل محايد إلى أن يصلوا لسن الادراك لكي يتخذوا القرار بأنفسهم. ففي المعمودية قد أعلن الله امتلاكه لأطفالنا. وبالتالي، يجب أن ندرب أطفالنا منذ الصغر على التجاوب بإيمان وطاعة لمسيح العهد.
من ناحية أخرى، يجب على أطفال العهد أن يستجيبوا بالإيمان وطاعة مسيح العهد. يجب أن يثقوا شخصيا في المسيح لأجل الخلاص. إذا لم يقوموا بذلك فسيكون مصيرهم هو الجحيم. واسمحوا لي أن أحذركم: يعلّم الكتاب المقدس أن أبشع مكان في الجحيم محجوز لأولئك الذين ذاقوا الموهبة السماوية ثم تحولوا بعيداً عنها. ففي معمودية أطفالنا يعلن الرب أنهم ملكا له، لذا يريد أن يمتلك على قلوبهم.
اتخذ الله المبادرة ودبّر وتمم خلاص شعبه. يبني الله كنيسته بكلمته وروحه. وقد أعطى الله المعمودية كعلامة وختم وواسطة لتأكيد وعود إنجيله. إنه امتياز للكبار والأطفال. يدعو الله بنعمته الكبار مع أطفالهم كي يحفظوا عهده ويختبروا بركته من جيل إلى جيل. فلنستجب لدعوة الله لنا ولأبنائنا.
د. ق. شريف جندي