هل يعتبر العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم مشروطًا أم غير مشروط؟ وهل يتوقف تحقيق وعد الله بامتلاك إبراهيم ونسله أرض الموعد على شرط معين يجب على إبراهيم أن يفيه؟ وهل تحقق الوعد بالأرض أم مازال هناك تحقيقًا له في المستقبل؟ هل هناك نبوات كتابيَّة بشأن أحقيّة اليهود اليوم لأرض فلسطين؟ هل سيعطي الله اليهود الأرض في المستقبل؟
هذه كلها أسئلة هامة تشغل بال الكثيرين. وللإجابة عليها ينبغي لنا أن ندرس وعد الله لإبراهيم بالأرض، وتطور هذا الوعد، وطريقة تحقيقه عبر التاريخ البشري كما هو معلن في الكتاب المقدس.
أولًا الوعد بالأرض قبل قطع العهد:
جاءت دعوة الله لإبراهيم في سفر التكوين أصحاح 12 حيث دعاه الله أن يترك أرضه وبيت أبيه ويذهب إلى الأرض التي يريها له الله. وبالفعل فعل إبراهيم كما أمره الله. وعندما ظهر الرب لإبراهيم وعد نسله بأرض كنعان (عدد 7). ثم في اصحاح 13 جاء وعد الله بالأرض لإبراهيم مرة ثانية حيث قال الله: “جَمِيع الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ تَرَى لَكَ أُعْطِيهَا وَلِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ” (عدد 15، قارن عدد 17). وهنا لأول مرة نجد أن الوعد بالأرض هو لامتلاكها للأبد. ومن هنا نلاحظ أن وعد الله لإبراهيم بالأرض قبل قطع العهد معه شمل على أمرين: 1) أن الوعد لإبراهيم ولنسله، 2) أن الأرض يعطيها الرب لإبراهيم ونسله إلى الأبد.
وهنا يجب أن نلاحظ أمرا في غاية الأهمية. كلمة “نسل” المذكورة في تكوين 12: 7، 13: 15 هي في اللغة العبرية “زِرَع” وهي من الناحية الإعرابيّة النحويّة مفرد مذكر، ولكنها من ناحية المعنى قد تشير لنسل مفرد أو جمع وذلك بحسب قرينة السياق. أي أن الكلمة هي اسم مفرد جمعي، أو اسم مفرد نحويًّا قد يكون جمعي من حيث المعنى بحسب السياق. ومن الملفت للنظر أن نفس الكلمة العبريّة مستخدمة في تكوين 3: 15 “وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا.” وهنا نجد استخدامًا للكلمة بالمعنى المفرد حيث أن نسل المرأة هنا هو إشارة للمسيح. وفي تكوين 4: 25 نجد استخدامًا آخرا للكلمة حيث يقول الكتاب: “وَعَرَفَ آدَمُ امْرَأَتَهُ أَيْضًا، فَوَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ شِيثًا، قَائِلَةً: «لأَنَّ اللهَ قَدْ وَضَعَ لِي نَسْلاً آخَرَ عِوَضًا عَنْ هَابِيلَ».” فكلمة “نسل” هنا هي أيضًا تحمل المعنى المفرد حيث إنها تشير إلى شيث الذي ولدته حواء لأدم عوضًا عن هابيل الذي كان قد قتله قايين أخوه. لكن كلمة “نسل” أيضا تحمل المعنى الجمعي في آيات أخرى في سفر التكوين (مثال: 7: 3، 9: 9). والسؤال هنا: هل وعد الله لنسل إبراهيم بالأرض كان لنسله جمعًا أم نسلاً مفردًا؟ للإجابة على هذا السؤال يجب أن ندرس العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم وكيفية تحقيق الوعد بالأرض عبر التاريخ البشري.
ثانيًا الوعد بالأرض في إطار العهد:
عندما نأتي إلى اصحاح 15 من سفر التكوين نجد الله يؤكد لإبراهيم وعده له بالأرض (عدد 7). وعندما سأل إبراهيم الله عمّا يضمن تحقيق هذا الوعد بادر الله بصنع عهدًا مع إبراهيم (أعداد 8-21). وفي سياق هذا العهد أعلم الله إبراهيم بأن نسله سيكون غريبًا في أرض مصر ويُستعبدون فيها لمدة أربعة مئة سنة لكنهم سيخرجون ويرجعون لأرض كنعان عندما يكتمل ذنب الأموريين (أعداد 13 – 16). وعندها أكّد الله بأنه سيعطي أرض الكنعانيين لإبراهيم ونسله (عدد 18، قارن تكوين 24: 7، 26: 4، تثنية 34: 4). وحدّد الله حدود هذه الأرض جغرافيًّا حيث يحدّها نهر مصر من الغرب (وهو ليس نهر النيل وإنما بحر سوف الذي كان في شمال مصر واقعًا في أرض سيناء ولكنه اختفى مع مرور الزمن، قارن خروج 23: 31، تثنية 1: 7، يشوع 1: 4)، ونهر الفرات من الشرق (عدد 18).
وحين نأتي إلى تكوين أصحاح 17 نجد تأكيد وتثبيت العهد الذي سبق وقطعه الله مع إبراهيم في اصحاح 15. هنا نرى الله يُملي على إبراهيم شروطًا للعهد. حيث يشترط الله أن يسير إبراهيم أمامه ويكون كاملاً (عدد 1). وأن يحفظ إبراهيم ونسله العهد بقبول علامة العهد وهي الختان (أعداد 9-14). وفي هذا السياق يؤكّد الله على وعده لإبراهيم ونسله حيث يقول: “وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ إِلهَهُمْ»” (عدد 8). وبالرغم من أن الوعد بالأرض هو لإبراهيم ونسله ملكًا أبديًّا (أي لا يُنتزع منهم) إلا أنه ليس بلا شروط. فمن لا يحفظ العهد لا يظل مستمتعًا بامتلاك الأرض للأبد. بل من لا يحفظ علامة العهد يقع تحت لعنة العهد لأنه قد كسر العهد حيث يقول الله: “وَأَمَّا الذَّكَرُ الأَغْلَفُ الَّذِي لاَ يُخْتَنُ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا. إِنَّهُ قَدْ نَكَثَ عَهْدِي” (عدد 14). فلو كان العهد غير مشروط فلا يمكن لأحد أن يكسره. ولكن بما أن الله قد أعلن أنه يمكن للفرد أن ينكث العهد بعدم قبول الختان في لحم غرلته فإذن هذا العهد مشروط.
ومن هنا نرى أن الوعد لإبراهيم ونسله بأرض كنعان هو وعد مشروط في إطار العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم. لكنه وعدًا أبديًّا لمن يسلك أمام الله ويحفظ شروط العهد. فحين يحفظ نسل إبراهيم وصايا الرب يستمر في امتلاكه للأرض (تثنية 28: 8، 11)، وأما العصيان والتمرّد فيجلب الطرد من الأرض (تثنية 28: 36، 41، 63 – 64).
ثالثًا تحقيق الوعد عبر التاريخ:
هل تحقق الوعد بالأرض لإبراهيم ونسله؟ وكيف ومتى تحقق؟
عندما ننظر لتاريخ تعامل الله مع شعبه في تحقيقه للوعد نكتشف أن إبراهيم ونسله قد امتلكوا أرض كنعان وتوسعوا فيها أربعة مرات على الأقل كالآتي:
1- تحقّق الوعد بالأرض لإبراهيم نفسه حيث سكن في أرض كنعان وماتت سارة هناك ودفنها إبراهيم أيضًا في أرض كنعان (تكوين 13: 12، 23: 2، 19، 24: 3، 37، نحميا 9: 7-8). وهكذا سكن أيضًا اسحاق ويعقوب في أرض كنعان (تكوين 26: 2–3، 28: 4، 33: 18، 35: 12، 37: 1، 42: 13، 29، 32).
2- تحقّق الوعد عندما خرج بني إسرائيل من أرض العبوديّة في مصر بقيادة موسى وساروا في البرية مدة 40 سنة إلى أن دخلوا وامتلكوا أرض كنعان بقيادة يشوع (يشوع 11: 23). يقول الكتاب المقدس: “فَأَعْطَى الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي أَقْسَمَ أَنْ يُعْطِيَهَا لآبَائِهِمْ فَامْتَلَكُوهَا وَسَكَنُوا بِهَا… لَمْ تَسْقُطْ كَلِمَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْكَلاَمِ الصَّالِحِ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَلِ الْكُلُّ صَارَ” (يشوع 21: 43–45، قارن 23: 14، نحميا 9: 15، 22-25).
3- تحقّق الوعد بتوسيع الأرض حين ملك داود علي إسرائيل ومن بعده قام سليمان بتوسيعات أكبر حين ملك خلفًا لداود أبيه (1 أخبار الأيام 18، 1 ملوك 9). وحتى هذه اللحظة من تاريخ إسرائيل لم تتملك إسرائيل كل أرض كنعان بحسب حدودها الجغرافيَّة التي وضعها الرب في تكوين 15: 18 وذلك بسبب عصيانها المتكرر لوصايا الرب وعبادتها لآلهة غريبة وتنجسها برجاسات الأمم. ولكن عندما نأتي إلى داود نقرأ أن داود ضرب هدد عزر ملك صوبة عند نهر الفرات (2 صموئيل 8: 3-4). وهنا ولأول مرة نرى أن مملكة إسرائيل امتدت ولو لفترة وجيزة إلى أقصى حدودها الشرقيَّة. وعندما جاء سليمان قام بتوسيعات في حدود مملكة إسرائيل حيث امتدت من مصر إلى الفرات. ويستخدم كاتب سفر ملوك الأول استعارة رمل البحر المستخدمة في تكوين 22: 17 ليظهر كيف أن حدود مملكة سليمان كانت تحقيقًا للوعد الإبراهيمي (1 ملوك 4: 20–21، 24).
4- تحقّق الوعد بعودة إسرائيل من السبي وامتلاك الأرض مرة أخرى (عزرا 1–2).
من هنا نرى أن الله قد حقق الوعد بإعطاء إبراهيم ونسله من بني إسرائيل أرض كنعان أكثر من مرة. وبالرغم من عصيان وتمرد إسرائيل وطرد الرب لهم من الأرض كعقاب منه لهم إلا أنه كان أمينًا للوعد والقسم الذي قسمه لإبراهيم في إطار العهد ولذا ردهم الرب إلى الأرض بعد توبتهم ورجوعهم له.
وهنا ينبغي لنا أن نلاحظ أمرًا هامًا. أعطى الرب أرض كنعان لإسرائيل كعلامة على رحمته ونعمته لهم. لم يعطيهم الأرض لأنهم أكثر من باقي الشعوب في العدد ولا لأنهم متميزون عنهم (تثنية 7: 7). ولم تكن الأرض مكافأة من الرب على برهم أو استقامتهم. بل على النقيض، كان الرب يصف إسرائيل باستمرار بأنهم شعب “صلب الرقبة” (خروج 32: 9، 33: 3، 5، تثنية 9: 5–6)، وبأكثرهم لم يُسر الله (1 كورنثوس 10: 5). وفرح الرب بهلاكهم وفنائهم (تثنية 28: 63).
وقد ذكّر موسى والأنبياء مرارًا عديدة الشعب بأن الأرض هي ملك للرب وأن الإقامة فيها دائمًا مشروطة. مثلا نقرأ في لاويين 25: 23 “وَالأَرْضُ لاَ تُبَاعُ بَتَّةً، لأَنَّ لِيَ الأَرْضَ، وَأَنْتُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عِنْدِي.” فلأن الأرض هي ملك للرب فلا يمكن أن تُباع أو تُشترى. وفي إرميا 2: 7 نقرأ “وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى أَرْضِ بَسَاتِينَ لِتَأْكُلُوا ثَمَرَهَا وَخَيْرَهَا. فَأَتَيْتُمْ وَنَجَّسْتُمْ أَرْضِي وَجَعَلْتُمْ مِيرَاثِي رِجْسًا.” لاحظ ضمير الملكية في قوله “أرضي، ميراثي” (قارن إرميا 16: 18). فالأرض لم تكن تحت تصرف إسرائيل كيفما تشاء. بل إسرائيل هي الذي تحت تصرف وترتيب وتدبير الرب. حقًا إن “لِلرَّبِّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ، وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا” (مزمور 24: 1). وهو سيد الأرض كلها (يشوع 3: 13). ولهذا فكانت إقامة إسرائيل في أرض كنعان دائمًا مشروطة بطاعة إسرائيل للرب ومحبته من كل القلب (تثنية 19: 8–9، لاويين 18: 24–28، يشوع 23: 16).
رابعًا من هو نسل إبراهيم وما هي حدود الأرض التي يرثها؟
نأتي الآن للإجابة على السؤال: هل مازال هناك تحقيقًا مستقبليًّا لوعد الله لإبراهيم ونسله بالأرض؟
وللإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نتذكّر أن قصد الله من البداية هو أن تتبارك كل شعوب الأرض في إبراهيم ونسله (تكوين 12: 3، 18: 17–18). وقد تمثّل هذا النسل في شعب إسرائيل في العهد القديم حيث كان مدعوا أن يكون نورًا للأمم (إشعياء 42: 6، 49: 6، 60: 3). وقد حقّق الرب جزئيًّا هذه الإرساليّة بالرغم من فساد وعصيان إسرائيل إذ نجد أشخاصًا وشعوبًا في العهد القديم قد وصل إليها نور إعلان الرب مثل راعوث الموآبية في سفر راعوث وشعب نينوى في سفر يونان وغيرهم. أما إسرائيل كشعبٍ فقد فشل في طاعة وصايا الرب ولم يستطع أن يكون نورًا للأمم.
وإذ نأتي إلى العهد الجديد، وهو التفسير الوحيد المعصوم من الخطأ والموحى به من الله للعهد القديم، نرى كيف تحقّقت وعود الله لإبراهيم ونسله في خطة الفداء في المسيح. حيث أنه في ملء الزمان جاء المسيح متممًا لما فشل فيه إسرائيل إذ يقدمه لنا العهد الجديد باعتباره هو نفسه “النسل” الجوهري والأساسي والأصيل لإبراهيم فيقول بولس “وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ: «وَفِي الأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: «وَفِي نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ” (غلاطية 3: 16). وهنا نرى كيف يكشف لنا بولس، بوحي من الروح القدس، عمّا أشار إليه الله بنسل إبراهيم في الوعود التي قالها لإبراهيم ونسله في تكوين 12: 7، 13: 15، 17: 7، 24: 7. فالنسل الحقيقي لإبراهيم في سياق وعود الله له هو المسيح نفسه (غلاطية 3: 9-16). ففي المسيح تحقّقت كل وعود الله للأباء حيث يقول بولس “لأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ اللهِ فَهُوَ فِيهِ «النَّعَمْ» وَفِيهِ «الآمِينُ»” (2 كورنثوس 1: 20). لذلك فالوعود قيلت للمسيح وتحقّقت في المسيح. ففي المسيح تتبارك كل شعوب الأرض. ويصبح كل من آمن بالمسيح “نسلاً” حقيقيًّا لإبراهيم ووارثًا للوعود كما يقول بولس “فَإِنْ كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذًا نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ الْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ” (غلاطية 3: 29، قارن أيضًا رومية 4: 16).
لذلك يؤكّد بولس أنه ليس جميع الذين من إسرائيل العهد القديم هم إسرائيليون حقيقيون بحسب مقاصد الله، ولا لأنهم من نسل إبراهيم حسب الجسد هم جميعًا أولاد حقيقيون للرب (رومية 9: 6–7). “أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ اللهِ، بَلْ أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلاً” (رومية 9: 8). فليس جميع الذين من نسل إسرائيل العرقي هو إسرائيليون حقيقيون بحسب قصد الله. ولا لمجرد أنهم من نسل إبراهيم ذلك يجعلهم بشكل تلقائي أولادًا لله.
فإن كانت الوعود قيلت للمسيح وتحقّقت في المسيح النسل الحقيقي لإبراهيم وفي كل من آمن بالمسيح، فماذا عن الأرض؟ هل سيرث المسيح وكل من آمن به أرض الميعاد؟ نعم، ولكن الأرض التي سيرثها المسيح وشعبه ليست محدودة جغرافيًّا بنهر مصر ونهر الفرات. يعلمنا بولس أن إبراهيم ونسله وارثًا للعالم (رومية 4: 13). وكلمة “العالم” هنا في اليوناني هي “كوزموس” أي كل الأرض، أو العالم بأكمله. فأرض الموعد بحدودها الجغرافيَّة التي ذكرها الله كانت صورة مصغرة لما قصد الله أن يرث إبراهيم ونسله، أي العالم كله. لذلك قال المسيح “طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ” (متى 5: 5، قارن مزمور 37: 11). وحتى إبراهيم نفسه لم يكن متطلّعًا لأرض كنعان كالتحقيق النهائي لما وعده الله به. حيث نقرأ في عبرانيين 11: 10 أن إبراهيم “كَان يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ.” فبحسب كاتب رسالة العبرانيين مات إبراهيم وإسحاق ويعقوب “وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ” (عبرانيين 11: 13). فبالرغم من امتلاكهم لأرض كنعان وسكناهم فيها إلا أنهم لم ينالوا المواعيد التي اشارت إليها امتلاكهم لأرض كنعان. ولذا كانوا غرباء وهم في أرض الموعد لأنهم كانوا يبتغون وطنًا أفضل، أي المدينة السماويَّة التي قد أعدها الله لهم (عبرانيين 11: 16).
وهكذا نرى أنه لا يوجد تحقيقًا مستقبليًّا للشعب اليهودي بامتلاكهم لأرض فلسطين. لأن وعود الله لإبراهيم ونسله تحقّقت في المسيح نسل إبراهيم وفي كل من آمن به حيث يرث المسيح وشعبه العالم كله، السماء الجديدة والأرض الجديدة، حين تنزل أورشليم السماوية من فوق ويسكن الله مع شعبه ووسطهم والله نفسه يكون إلهًا لهم (رؤيا 21: 1–7). ويملك المسيح وشعبه على الأرض الجديدة إلى أبد الأبدين (رؤيا 22: 5).
د. ق. شريف جندي