نأتي الأن إلى أخر نقطة من النقاط الكلفينية الخمسة. وبناءً على ما سبق شرحه من النقاط السابقة يكون من المنطقي أن عمل الله في صليب يسوع المسيح وفداءه لشعبه وتطبيق الخلاص عليهم بالنعمة يكون عملا كاملا لا ينقصه شيئا في النهاية. ولكن المنطق وحده لا يكفي لفهم الحق الكتابي لذا علينا أن ننظر إلى ما تقوله كلمة الله المقدسة في هذا الشأن.
تعني هذه النقطة أن كل المؤمنين المعينين للخلاص، من فداهم المسيح بموته على الصليب من أجلهم نيابة عنهم ومن أحتسب لهم بره، هؤلاء محفوظون في الإيمان بقوة الله إلى النهاية. فالعمل العظيم لله في الخلاص قد بدأ قبل تأسيس العالم حين خصص لنفسه شعبا مختارا ليكونوا أمة مقدسة بلا لوم أمامه “كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ” أفسس 1: 4، “وَأَمَّا نَحْنُ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمَحْبُوبُونَ مِنَ الرَّبِّ، أَنَّ اللهَ اخْتَارَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ لِلْخَلاَصِ، بِتَقْدِيسِ الرُّوحِ وَتَصْدِيقِ الْحَقِّ” 2 تسالونيكي 2: 13. وأستمر عمل الخلاص حين أرسل الله ابنه إلى العالم لكي يموت لأجل المختارين، ثم يستمر العمل الآن حين يعمل الروح القدس لكي يحضر كل المختارين إلى الإيمان الخلاصيّ في المسيح حتى يختبروا كل بركات وامتيازات حياته وموته. والله يثابر في عمله الذي بدأه في شعبه. “لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، فَهؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا” رومية 8: 29-30. وهنا نرى أن كل من اختارهم الله وعينهم للخلاص سوف يخلصون تمامًا في المجد. لأن من جددهم الله بروحه القدوس سوف يحفظهم في يده إلى الأبد.
ولأن الله يثابر فالمؤمنين أيضا يثابرون “لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ” فيلبي 2: 13. فالخلاص هو عمل الله وهو لا يفشل أو يخفق فيه أبدا “أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ” 1 بطرس 1: 5.
لذلك فطبقًا لهذه العقيدة لا يمكن للمؤمن الحقيقي أن يفقد خلاصه. لأن الآب قد اختاره (من قبل تأسيس العالم)، والأبن قد فداه (في ملء الزمان)، والروح القدس قد طبق عليه الخلاص (يوم تجديده بعمل النعمة في قلبه بالروح القدس)، ولهذا فهؤلاء المخلصين هم محروسون إلى الأبد. فهم محفوظون إلى الأبد في المسيح. يقول المسيح: “خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي” يوحنا 10: 27 – 28. وهنا يقول المسيح أن خرافه لن تهلك إلى الأبد. “اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ” يوحنا 6: 47، وهنا يوصف الخلاص على أنه حياة أبدية. “وَهذِهِ مَشِيئَةُ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَانِي لاَ أُتْلِفُ مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ” يوحنا 6: 39، وهنا يؤكد المسيح على حقيقة أنه لن يفقد أولئك الذين قد أعطاهم الآب له بل سيتمجدوا في اليوم الأخير.
“إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ” رومية 8: 1، وهنا يقول الرسول بولس أنه ليس دينونة على من هم في المسيح يسوع. “لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا” 1 كورنثوس 10: 13، حيث يعد الله ألا يجعلنا أبدا نجرب فوق ما نستطيع. “وَاثِقًا بِهذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ” فيلبي 1: 6، حيث أن الله هو الأمين والقادر أن يكمّلنا (أي يأتي بنا إلى الكمال) إلى يوم عودة المسيح. فعمل التقديس الذي يقوم به الله بروحه القدوس بالنعمة في حياة مختاريه سوف يستمر إلى أن يصل إلى كماله وإتمامه نهائيا في الحياة الأبدية.
د. ق. شريف جندي